الاثنين، 1 يونيو 2015

الإعلام في دول الربيع العربي: ليبيا نموذجا


الحوار المتمدن-العدد: 3760 - 2012 / 6 / 16 - 13:31 

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=312114



بعد ثورة 17 فبراير، في ليبيا، وانتصاراتها، وبروز قيم الحرية في كل المجالات، يتساءل البعض أو يطرح قضايا، من مثل أن تكون الدولة هي المهيمنة على الإعلام، وأنها يجب أن توليه الرعاية الكاملة، حتى يتم تشكيل العقلية المحلية على نحو (جيد)!!. وهم يطالبون أن تخصص الميزانيات الكافية لذلك الغرض. هنا لا نريد أن نمنعهم حقهم في التفكير بهذه الطريقة وعلى هذا النحو، لكن هناك ملاحظات تكونت عبر سنوات من الحرمان الثقافي والمعرفي، عانينا فيها الكثير، ولولا أن منَّ الله علينا، في عصر التكنولوجيا، بالعديد من الوسائل في عالم المعلومات، لربما كان الواحد منا لا يعرف أبعد من ركن منزله، أو على أقصى تقدير، ناصية الشارع الذي يقع فيه بيته. 

الإعلام في ليبيا، خلال 4 عقود، كان حكوميا خالصا، وقد كان نجوم هذا الإعلام هم: جمال عبدالناصر (رائد القومية العربية والاشتراكية وبطل المواجهة والمقاومة، أيقونة عربية) ومعه بطبيعة الحال القذافي، ثم انسحب البساط من عبدالناصر شيئا فشيئا بسبب وفاته أوائل السبعينيات، ثم في السنوات الأخيرة، أضيف إلى القذافي بعض أبنائه. وللتذكير، كان الميثاق (وهو كتاب قيل أن عبدالناصر كَتَبَه ليعرض فيه أفكاره في المجالات المختلفة) محل اهتمام وحفاوة، قبل أن يصدر القذافي كتابه الأخضر، وكأن أقلام الكُتّاب العرب وغيرهم قد جفَّ حبرها فلم تكتب شيئا يكون محل اهتمام أو دراسة. وكمظهر من مظاهر الاستبداد، فقد انتزع الحاكم كل الاهتمام، فليس ثمة فكر سوى فكره الخلاق المبدع، وهكذا لم تقم المحاضرات ولا تعقد الندوات إلا لدراسة ذلك الكتاب. 

الآن وبعد كل هذا المخاض الثوري، لم يعد المجال فسيحا أمام الوصاية الفكرية ومنها الإعلامية، التي تختار للجمهور ما يقرؤون وما يشاهدون وما يسمعون. كانت هناك وصاية غير مباشرة أيضا، على طريقة التفكير لدى الأفراد، وذلك من خلال التكوين الفكري المصطنع، الذي كانت عجلته وتروسه تدور طول اليوم. وللتأكد من ذلك، لننظر إلى مفرداتنا التي لا نزال (أو على الأقل بعض أفراد المجتمع في ليبيا) نستعملها حتى اليوم (منها: تشاركية (للدلالة على الشركات العائلية الصغيرة والتعاونيات، مُنتِج (عامل)، تعليم تشاركي (حر أو خاص)، وغير ذلك، مثل أسماء الشهور: (أي النار) بدل يناير، وغير ذلك الكثير. 

لا ينبغي أن يكون الإعلام حكوميا خالصا، بل أن تتاح الفرصة للجميع، لتأسيس منابرهم الإعلامية المختلفة من صحف ومجلات وإذاعات ومحطات تلفزيونية، ومراكز دراسات وغير ذلك. وستكون الغلبة لمن يستطيع إقناع الجمهور أكثر من سواه. هنا السؤال، ماذا ستقدم الحكومة في إذاعتها؟ وهنا يأتي دور الإذاعة الوطنية: هل ستكتفي ببث الأخبار العامة والإعلانات والبرامج الثقافية؟ هل سنضمن حيادها وعدم انحيازها للحكومة نفسها أو للحاكم أو حتى لجهات أخرى؟ هل سنتنازل عن حريتنا، وندعهم يصنعون بنا ما يشاؤون؟ عِشنا طيلة السنوات السابقة على وجبة إعلامية واحدة. لم نعرف التنوع والاختلاف. فهل سيكون المستقبل كذلك؟ مع تعدد الوجهات الإعلامية، ستكون الفرصة متاحة للجميع أن يختار من كل بستان أحلى ثماره. 

ومن الأمراض التي غرسها بذورها الإعلام المريض في دولة كليبيا، القبلية. لقد احتلت مظلة (القبيلة) محل مظلة الدولة في ليبيا، لأن الدولة المدنية في ليبيا قد انهارت وغُيِبت، وصار التمجيد للقبيلة، لأن القذافي يريد أن يصنع منها جهازا أمنيا يُسَهِّل له الوصول إلى خصومه حين يريد إلقاء القبض عليهم ورميهم في غياهب السجون. وقد صار الناس يلجؤون في بعض المناطق الليبية، إلى القبيلة لقضاء بعض المصالح التي يتصورون تحقيقها من خلالها. أقول، أن هناك الآن من استفادوا من تلك الأوضاع، وهم اليوم يقولون بالقبلية، ويجعلونها هاجسا لهم يشغل بالهم، ليلَ نهار. وقد كان إعلام القذافي قد ساهم، على نحو كبير، في رسم صورة وردية لفكرة القبيلة، وقد صدّق بها كثيرون، ممن رأوا أنها توصلهم إلى مآرب تناسب ما هم عليه. 

لكن واقع الحال، يجعلنا نقول: أما التفكير بالقبيلة، فهل هذا، في الواقع، شيء له وجود في مجتمع يجوب أفراده مناطق مختلفة من العالم، ويستعملون كل ما وصل إلى أيديهم من منتوجات الحضارة الصناعية في هذا العالم؟ قبيلة تحولت مرابعها إلى دوبلكسات وفلل، وصارت إِبِلُها ونُوقُها سياراتٍ فارهةً، والمال والحلال أصبح دولارا أمريكيا وجنيها استرلينيا و يور أوروبيا، وغيرها من العملات الصعبة الأخرى. هل (القبيلة) كمفهوم اجتماعي، كما هو في المناطق القبلية، شيء موجود حقيقةً؟ لعب القذافي على وتر القبيلة لأسبابه الخاصة، ومنها النواحي الأمنية، فوافق ذلك هوىً لدى بعض المرضى، الذين رأوا في ذلك فرصة للظهور والسيطرة، وذلك بعد أزيح ذوو الياقات البيضاء من أمامهم. قد صار المؤهل آنذاك هو مقدار الولاء لتلك المفاهيم وبطيعية الحال الولاء للقذافي (وهذا هو بيت القصيد). وهذا هو المفتاح السحري لكل أبواب النعيم (القذافي). 

شعوبنا اليوم بحاجة إلى إعلام حر متنوع ومنفتح، يحترم الاختلافات، ويحترم الرأي الآخر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق